ردّنا على ما صدر عن وزارة الداخلية
حول قانون البصمة الوراثية
رداً على ما صدر عن وزارة الداخلية حول قانون البصمة الوراثية والمنشور في جريدة الراي يوم أمس 19/04/2016، أنوّه بداية بأنني أشرت سابقاً بأنه سيكون لي موقف حاسم من قانون البصمة الوراثية وأكّدت بأنني سوف أطعن بعدم دستوريته، وأكرّر الآن بأنه قد تم الإعداد لذلك.
تفاجأت من قراءة تصريح وزارة الداخلية بأنه جاء رداً مباشراً على ما ورد في ندوة الراي المخصصة لبحث موضوع قانون البصمة الوراثية رقم 78/2015 والمخالفات التي تشوبه والإعتراضات عليه والتي كنت أنا والدكتور بدر الخليفة الضيوف فيها.
وعليه أشير بأنني لطالما ذكرت في مناسبات عديدة بأن الحكومة الكويتية تخفق في ممارسة مهامها بشكل صحيح وتفتقد قدرة التصرّف بشكل يعود بالنفع على المواطن والمجتمع الكويتي بما يتناسب مع التحضّر والتقدم الذي نشهده في العالم أجمع. وإذ بها من خلال تبنيها لقانون البصمة الوراثية تؤكّد مخاوفنا، وأكثر من ذلك استشعرنا من خلال رد وزارة الداخلية بأنها تجهر بكل فخر بأنها السباقة والأولى في العالم أجمع بتبنيها هذا القانون ضاربة بعرض الحائط مبادئ الدستور وقوانين حقوق الإنسان، متجاهلين بذلك أن صاحب السمو أمير البلاد تُوّج أميراً للإنسانية ومدافعاً عنها.
كما أضيف، إن كنا قد عبّرنا سابقاً عن عدم ثقتنا بأداء الحكومة في الأمور والمواضيع الأكثر بساطة، فهل تتوقّع منا أن نطمئن ونثق بمسلكها في أمر بهذه الخطورة والحساسية؟ فهل تطلب منا أن نأتمنها على بصماتنا الوراثية التي تحتوي بطبيعتها على الخريطة الجينية للإنسان أي على تكوين الفرد من الألف إلى الياء؟! فهل تعتقد الحكومة ممثلة بوزارة الداخلية أن طمأنتها ستفي بالغرض وستشرّع لها خرق الدستور ومبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان؟!
وهنا أعود وأكرّر ما ذكرته في الندوة بأن الحكومة الكويتية لم تتريّث وتمحّص هذا الموضوع بشكل دقيق؛ مع ذلك ولنفترض أنها تريّثت كما تدّعي في تصريحها فما زال إقرار قانون البصمة الوراثية بالصيغة الراهنة مخالفاً تماماً للدستور ومبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان. لقد أشارت وزارة الداخلية في تصريحها إلى الدول المتقدمة، فلماذا لا تحذُ حذو تلك الدول المتقدمة في موضوع البصمة الوراثية وتستفيد من الخبرات والمراحل التي مرّت بها تلك الدول قبل الكويت؟ فبمراجعة ومقارنة قوانين دول العالم الخاصة بجمع البصمة الوراثية وكيفية التصرف بها، ومنها قوانين تلك الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا وسواها، يتضح جلياً بأنه لا توجد دولة في العالم فرضت أخذ عينة من الحمض النووي من جميع مواطنيها والمقيمين و/أو الزائرين لديها بل جميعها حصرت إمكانية أخذ عينة الحمض النووي في إطار توقيف شخص لارتكاب جرم معين أو أقلّه في ظل الإشتباه بارتكابه جرماً أدى إلى توقيفه. وعندما تكون دول العالم، ومنها الأكثر تقدما،ً قد لجأت إلى هذا المنحى الضيق والحصري بشأن جمع البصمة الوراثية فذلك المنحى لم يأت من عدم وذلك الحصر ليس دون سبب.
لكن لا! كان على الحكومة الكويتية أن تكون السباقة، فإذا بها تسعى إلى فرض جمع البصمة الوراثية من جميع مواطنيها، المقيمين لديها، والأكثر من ذلك زائريها.
ويلفتني هنا أن الحكومة “طمأنت” المواطنين والمقيمين، فماذا عن سكان العالم أجمع؟ فأي منهم قد يودّ زيارة الكويت فيصبح عندها زائراً ويفرض عليه بالتالي الخضوع لهذا القانون. هل درست الحكومة الكويتية تأثير مثل هذا القانون على مكانة الكويت دولياً؟ أم هل تسعى الحكومة إلى المزيد من الإنغلاق؟
منذ اللحظة الأولى التي علمت بها بنية إصدار هكذا قانون بالشكل الذي تمت الموافقة عليه، عقدت العزم على الطعن عليه لأسباب قانونية جوهرية سبق أن لمحت بها دون تفصيل في تصريحي الأول عام 2015 كما وفي الندوة المذكورة، وزادني عزماً على تقديم هذا الطعن الكم الهائل من الطلبات التي وردتني من مواطنين ومقيمين بشأن التصدي لمثل هذا القانون، فموقفي هذا يشاركني به الكثيرون، وأنا اليوم أكثر إصراراً من قبل بعد ما صدر عن وزارة الداخلية عن قانون البصمة الوراثية.
وفي الختام ورداً على “طمأنة” الداخلية للشعب، أود بدوري أن “أطمئن” الحكومة بأنني سأطعن بعدم دستورية قانون البصمة الوراثية المخجل صدوره في القرن الواحد والعشرين. أما ردودي المباشرة على جميع المغالطات التي وردت في تصريح وزارة الداخلية، فسوف أضمّنها في الطعن المرتقب. فموعدنا الأخير سيكون أمام المحكمة الدستورية، ما لم تعدل الحكومة.
إنني وبصفتي محام وناشط في حقوق الإنسان، أؤكد للمواطنين والمقيمين والزائرين بأن هذا القانون مخالف للمبادئ الإنسانية والدستورية والإتفاقيات والمواثيق والقوانين المحلية والدولية وعلى رأس ذلك مخالفته الصارخة للشريعة الإسلامية. لذا إن ردّ الداخلية على ندوتنا جاء مخيّباً للظن ومخالفاً للموضوعية ومضرّاً بسلامة الأمور، وجاء كالعادة سريعاً دون تروّي.
وأود أن أضيف ملاحظة أوجّهها للقائمين الكرام على هذا القانون وتطبيقه وهي بأن أي ضمانات أو عقوبات تم وضعها لتفادي حالات تسرّب المعلومات لا تكفي ولا تعوّض ضرر تسرّب أو خرق سرية البيانات سواء عن قصد أو عن غير قصد حيث لا يمكن تدارك نتائج أو عواقب ذلك ما لم يكن القصد من وراء ذلك القانون من قبل المؤيدين لتنفيذه نبش القبور وكشف المستور وتدمير الجسور بين أبناء الشعب الواحد وبعثرة الأُسَر والتي نحن بأمس الحاجة لترابطها وحمايتها والذي وجب على السيد/ رئيس مجلس الوزراء بصفته مسؤولاً كذلك عن النشء وعلى الحفاظ على مكتسبات الأمة وأهمها وأوجبها الحفاظ على الخصوصية وعدم التعرّض لوحدة وكرامة الأُسَر.
وأعلن أنني على استعداد لأي مناظرة مع أي مسؤول أو خبير في الدولة سواء من السلطة التنفيذية أو التشريعية لعرض الردود على أي تساؤل قد يُطرَح وتقديم الأسانيد وذلك قبل هدر الأموال وتبدّل الأحوال.
إن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح والله الأمر من قبل ومن بعد وهو غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
المحامي/ عادل عبدالهادي
21-04-2016